هذه المقدمة هي جزء من دليل المنظمات غير الحكومية، الصادر عن مكتب برامج الإعلام الخارجي بوزارة الخارجية الأميركية.
تناصر المنظمات غير الحكومية (NGOs) حقوق الإنسان وحماية البيئة، وبناء القدرات القيادية لدى الشباب، والعمل على وضع حد للعنف ضد النساء والأطفال، ومساعدة الفقراء، وأكثر من ذلك بكثير. وقد يشكل تأسيس منظمة غير حكومية وسيلة قوية لإحداث التغيير.
المنظمات غير الحكومية (NGOs) هي منظمات مستقلة عن كل من الحكومة وقطاع الأعمال. تتركز مهامها على تعزيز المصلحة العامة وخدمة الصالح العام بدلاً من تحقيق الربح أو خدمة مصالح مجموعة ضيّقة من الأفراد. وتمكّنها استقلاليتها من رصد الأداء الحكومي ومناصرة إجراء التحسينات عليه. وتستطيع المنظمات غير الحكومية التي تحظى باحترام كل من الحكومة وقطاع الأعمال، أن تساعد في التوسط في النزاعات أو في إيجاد حلول حول المخاوف المشتركة. وأخيرًا، إن استقلاليتها عن الحكومة، والأحزاب السياسية، والمؤسسات الدينية، تتيح لها خلق رؤية مشتركة لدى مجتمعها الأهلي. وتحشد المنظمات غير الحكومية المتطوعين والموارد الأخرى لتحقيق رؤيتها.
وبغض النظر عما إذا كنت تفكر بإنشاء منظمة غير حكومية أو كان قد سبق لك تأسيس منظمة ما، أو كنت تتولى قيادة إحداها منذ سنوات، فإنك تشكل جزءًا من حركة عالمية من الناس الذين يوجهون قدراتهم في سبيل إجراء التغيير. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، كانت المنظمات غير الحكومية في طليعة الحركات الاجتماعية الرئيسية الهادفة إلى تحسين حياة الناس. لقد تنامى عدد المنظمات غير الحكومية في الديمقراطيات الناشئة بسرعة مطردة خلال العقود المنصرمة، وهي تساعد في أماكن عديدة، مثل جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، في بناء مؤسسات ديمقراطية وتوفير شبكات ومنظومة السلامة للفئات الفقيرة، وتلك المعرّضة للأخطار.
وكان قد استُخدم مصطلح "المنظمات غير الحكومية" للمرة الأولى في أعقاب الحرب العالمية الثانية عندما أسبغته الأمم المتحدة على المنظمات الخاصة التي ساعدت في الشفاء والتعافي من ويلات الحرب- أي مداواة الملايين من النازحين، والأيتام، والعاطلين عن العمل. بيد أن مفهوم تنظيم المواطنين حول قضايا معيّنة يرجع إلى تاريخ أبعد من ذلك بكثير. ويحدّد بعض العلماء بأن أول منظمة غير حكومية كانت المنظمة الدولية لمكافحة العبودية، التي أنشئت عام 1839.
واليوم، تعترف الأمم المتحدة بعدد يقدر بـ40 ألف منظمة غير حكومية دولية، مع العلم أن هناك ملايين أخرى من هذه المنظمات موجودة داخل البلدان. هناك العديد من الأنواع المختلفة من المنظمات غير الحكومية. بعضها كبيرة، أي منظمات متعدّدة الجنسيات، في حين يكون البعض الآخر منها صغير، أي أنها تتكوّن من مجموعات صغيرة تنتمي إلى قرى معيّنة. ويستهدف بعضها الآخر قضايا أو قطاعات معيّنة، كالنساء، والشباب، والبيئة، وحقوق الإنسان، والتعليم أو الصحة. في حين تعالج منظمات أخرى قضايا وقطاعات متعدّدة في نفس الوقت.
وبغض النظر عن مجالها أو نطاق عملها، فإن جميع المنظمات غير الحكومية موجودة لأجل تحسين حياة الناس أو حل مشكلة اجتماعية. ومعظم المنظمات غير الحكومية يؤسّسها أناس متحمّسون لمصلحة مجتمعاتهم الأهلية أو لقضاياها. غير أن إنشاء وإدارة منظمة غير حكومية يتطلب أكثر من مجرّد الحماس. فهو يتطلب المعرفة، والمهارات، والموارد، والعلاقات. كما أنه يتطلب الوقت الطويل، والتخطيط، والصبر، والمرونة.
يقدم هذا الدليل إطار العمل اللازم لبناء منظمة غير حكومية فعّالة ومستدامة. وسوف تجدون في هذه الصفحات معلومات حول كيفية تطوير المكوّنات الأساسية اللازمة لأي منظمة غير حكومية، أي القيم، والرؤية، والرسالة، والبرامج، علاوة على نصائح محدّدة حول كيفية التنفيذ. سوف نعطي في هذا الدليل أيضًا الأنواع المختلفة من العلاقات التي ستحتاجون إليها، مع المجتمع الأهلي الذي تخدمونه، ومع شركائكم، ومع مموّليكم، ومع حكومتكم، ومع أصحاب المصلحة الآخرين. وعبر كامل صفحات هذا الكتاب، سوف تجدون الممارسات الفضلى اللازمة لإدارة منظمة غير حكومية ونصائح حول كيفية تجنّب التحدّيات المشتركة التي قد تواجهها منظمتكم غير الحكومية ومن ثم معالجتها.
وفي نهاية المطاف، سوف يساعدكم هذا الدليل على بناء منظمة غير حكومية شرعية، وشفافة، وخاضعة للمساءلة، وهي صفات يتعين توفرها لكي تغدو منظمتكم غير الحكومية فعالة.
الشرعية
عند اعتبار منظمة غير حكومية بأنها شرعية، فإن عامة الناس سوف يعتقدون بأنها تعالج حاجة اجتماعية وأن أعضاءها يضعون تلك الحاجة الاجتماعية فوق مصالحهم الخاصة. وقبل أن تسألوا أنفسكم: "كيف يمكننا استدامة منظمتنا غير الحكومية؟" يتعيّن عليكم الإجابة على هذين السؤالين، "هل عملنا شرعي؟"، و"هل تستحق منظمتنا غير الحكومية الوجود؟" سوف تستحق أي منظمة غير حكومية الوجود عندما يكون لديها مهمة واضحة، وذات صلة بالواقع، وتركز اهتمامها على تلبية حاجة ملحة للمجتمع الأهلي أو حاجة مجتمعية أخرى. ولكن المهمة الجيّدة ليست كافية. فمن أجل أن تغدو شرعيّة ينبغي على المنظمة غير الحكومية أن تكون محكومة جيدًا، وذات إدارة جيّدة وفعالة.
لن تعتبر أي منظمة غير حكومية يسيطر عليها فرد واحد على أنها شرعية. ففي حال هيمن فرد واحد على أي منظمة بحيث لن تحصل على الكثير من المُدخلات أو على الإشراف من الآخرين، فإن هذا سيعرّض ذلك الفرد إلى المخاطر المتمثلة بتعزيز مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة. ومن دون القيادة والإدارة النشطتين على أيدي عدة أفراد، فلن توجد أية ضوابط أو توازنات لمنع الاستخدام الخاطئ، أو إساءة الاستخدام لموارد المنظمة. تحتاج أي منظمة غير حكومية إلى قاعدة واسعة من القيادات الذين يلتمسون المُدخلات من أصحاب المصلحة للتأكد من أن منظمتهم تخدم الصالح العام.